قوله تعالى: {وقالوا ربَّنا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنا} في سبب قولهم هذا قولان:أحدهما: أنه لمّا ذُكِر لهم ما في الجنّة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي.والثاني: أنه لمّا نزل قوله: {فأمَّا مَنْ أُوتيَ كتابَه بيمينه...} الآيات [الحاقة: 19-37]، قالت قريش: زعمتَ يا محمد أنّا نُؤتَى كتبنا بشمائلنا؟! فعجِّل لنا قِطَّنا، يقولون ذلك تكذيباً له. قاله أبو العالية ومقاتل.وفي المراد بالقِطِّ أربعة أقوال:أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الفراء: القِطُّ في كلام العرب: الصَّكّ. وقال أبو عبيدة: القِطُّ الكتاب، والقُطُوط: الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومقاتل، وابن قتيبة.والثاني: أن القِطَّ: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس.والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني، والمعنى أنهم لمّا وُعِدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك.والرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير. قال الزجاج: القِطُّ: النصيب، وأصله: الصحيفة يُكْتَب للإنسان فيها شيء يَصِل إِليه، واشتقاقة من قَطَطْتُ، أي: قَطَعْتُ، فالنَّصيب: هو القطعة من الشيء. ثم في هذا القول للمفسرين قولان:أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير.والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة. وعلى جميع الأقوال، إنما سألوا ذلك استهزاءً، لتكذيبهم بالقيامة.{اصْبِرْ على ما يقولونَ} أي: من تكذيبهم وأذاهم، وفي هذا قولان:أحدهما: أنه أُمِر بالصبر، سلوكاً لطريق أًولي العزم، وهذا مُحْكَم.والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي.قوله تعالى: {واُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} في وجه المناسبة بين قوله: {إِصبر} وبين قوله: {واُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} قولان:أحدهما: أنه أمِرَ أن يتقوّى على الصَّبر بذِكْر قُوَّة داوُد على العبادة والطاعة.والثاني: أن المعنى: عرِّفهم أن الأنبياء عليهم السلام مع طاعتهم كانوا خائفين منِّي، هذا داوُد مع قوَّته على العبادة، لم يزل باكياً مستغفراً، فكيف حالُهم مع أفعالهم.فأما قوله: {ذَا الأيْدِ} فقال ابن عباس: هي القُوَّة في العبادة. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصِّيام إلى الله صيامُ داوُدَ، كان يصومُ يوماً ويُفْطِر يوماً، وأَحَبُّ الصَّلاة إِلى الله صلاةُ داوُد، كان ينام نِصْفَ الليل ويقومُ ثُلثه وينامَ سُدسه»وفي {الأوّاب} أقوال قد ذكرناها في [بني اسرائيل: 25]. {إِنّا سَخَّرْنا الجبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في [الأنبياء: 79]، وذكرنا معنى العَشِيّ في مواضع مما تقدم، [آل عمران: 41] [الأنعام: 53]، وذكرنا معنى الإشراق في [الحجر: 73] عند قوله: {مُشْرِقِين}. قال الزجاج: الإِشراق: طلوعُ الشمس وإِضاءتُها، وروي عن ابن عباس أنه قال: طَلَبْتُ صلاةَ الضُّحى، فلم أَجِدْها إِلاّ في هذه الآية.وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضُّحى مذكورة في [النور: 36] في قوله: {بالغُدُوِّ والآصال}.قوله تعالى: {والطَّيْرَ مَحشُورَةً} وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء، والضحاك، وابن أبي عبلة: {والطَّيْرُ مَحْشُورَةٌ} بالرفع فيهما، أي: مجموعة إليه، تسبِّح اللهَ معه {كُلَّ له} في هاء الكناية قولان:أحدهما: أنها ترجع إِلى داوُد، أي: كُلٌّ لداود {أَوَّابٌ} أي: رَجّاعٌ إِلى طاعته وأَمْره، والمعنى: كُلٌّ له مُطِيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور.والثاني: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كُلٌّ مسبِّحٌ لله، قاله السدي.قوله تعالى: {وشدَدْنا مُلْكَه} أي: قوَّيناه. وفي ما شُدَّ به مُلْكُه قولان:أحدهما: أنه الحَرَسُ والجنود؛ قال ابن عباس: كان يحرسُه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل.والثاني: أنه هَيْبَةٌ أُلْقِيَتْ في قلوب الناس؛ وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن عباس أيضاً.قوله تعالى: {وآتيناه الحكمة} وفيها أربعة أقوال: أحدها: أنها الفَهْم، قاله ابن عباس، والحسن، وابن زيد. والثاني: الصَّواب، قاله مجاهد. والثالث: السُّنَّة، قاله قتادة. والرابع: النُّبُوَّة، قاله السدي. وفي فصل: الخطاب أربعة أقوال:أحدها: عِلْمُ القضاء والعدلُ، قاله ابن عباس، والحسن.والثاني: بيان الكلام، روي عن ابن عباس أيضاً، وذكر الماوردي أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود.والثالث: قوله: {أما بعد} وهو أول من تكلَّم بها، قاله أبو موسى الأشعري، والشعبي.والرابع: تكليف المدَّعي البيِّنة، والمدَّعَى عليه اليمين، قاله شريح، وقتادة، وهو قولٌ حسنٌ، لأن الخُصومة إنما تُفْصَل بهذا.